لم تعد تخلو محطة تلفزيونية من برنامج اجتماعي ( هادف) يستغل المواضيع الجنسية لاستقطاب اكبر عدد من المشاهدين وبالتالي المعلنين. فمن المستغرب أن تناقش على الشاشات الصغيرة مواضيع ،أقل ما يقال فيها أنها خاصة وحميمية، وفي أوقات غير متأخرة من الليل بحيث تكون المشاهدة مفتوحة لجميع الأعمار.فهل وصلنا الى مرحلة من الكمال الثقافي بكافة أبعاده وجوانبه، الشخصية والإجتماعية والوطنية ، بحيث لم يعد ينقص مجتمعنا لتحقيق السعادة إلا الخبرات الجنسية والوضعيات المختلفة وطرق الإغواء والعلاقات المحرمة.؟؟ هل استقر الوضع المالي في الجمهورية اللبنانية الغارقة في الظلام والديون، وأضحت كل وسائل الرفاهية في متناول الجميع ولم يعد ينغِّص حياتهم إلا جهلهم بمواضيع الجنس أو أخبار الفضائح الأخلاقية. إن البرامج الصحية والعلمية التي تتناول بعض جوانب الجنس ، والتي قررتها الحكومة اللبنانية لتكون ضمن البرامج التعليمية، لا تزال تلقى صعوبة في شرحها أو وضعها في متناول الأجيال الصاعدة لاقترابها من محرمات اجتماعية وإن كانت تعليمية الهدف وعلمية المحتوى. فكيف بنا ونحن نشاهد ونسمع ما ليس له علاقة بالعلم ولا بالتثقيف ، على الشاشات حيث يغيِّر معِد البرنامج حينا اسم صاحب المشكلة أو الرأي أو الوضعية، وحينا آخر يخفي وجهه ، بينما يبقى محتوى البرنامج مفتوحا أمام جميع المشاهدين محلياً وخارجياً، كبارا وصغارا ذكورا وإناثا وفي ساعات الليل الأولى. لقد أصبح الأمر نافرا في الشكل والمضمون ، حتى وصل الى مستوى المهزلة بالخط العريض، أما الأمر الأكثر سوءا وانحطاطا ،فهو البرامج الهزلية التي تنشر النكات والفكاهة ( من الزنَّار ونازل) بحضور طلاب المدارس والجامعات في شكل وقح ومستغرب. إن الحرية المسؤولة هي التي تكون حقا للمواطن والشركة والتلفزيون وغيرهم، أما حرية الإفساد فهي اعتداء سافر وصارخ على البيئة الإجتماعية لا يقل عن ضرر النفايات في البيئة الصحية العامة. وإذا كانت هذه الأساليب وهذه البرامج هي آخر ما تملكه المحطات التلفزيونية من أساليب لإستقطاب المشاهدين ، وبالتالي المعلنين وجني الاموال ، فذلك دليل إفلاس ينذر بما هو أشنع. وإذا كانت هذه البرامج هي آخر ما يملكه مقدموها من طرق وفنون للظهور والشهرة فذلك هو الأكثر شناعة. لا يزال لدينا مواضيع شائكة أكثر ، وأثر حساسية وضرورة، وأكثر سموا من حيث الرسالة، يحتاج إليها المجتمع قبل المواضيع الخاصة التافهة التي تعرض اليوم أمام العموم. ثمة من هو مسؤول عن حماية البيئة الإجتماعية، وزارة الإعلام، مديرها العام، المجلس الوطني للإعلام، هيئات المجتمع المدني , أم سائر المهتمين. ثمة من هو مسؤول عن حماية القيمة في معركتها مع المصالح، مع ثقافة المصالح التي باتت في صميم تفاصيل الحياة اليومية من السياسة الى الدين الى الاعلام الى المدرسة، وذلك بعيدا عن أي حماية للأسس القيمية والأخلاقية وحتى القانونية التي من المفترض أن تشكل الضمانة للحد من الجنوح السلبي والانحدار في مختلف مرافق الحياة. أن الالتفات الى التدهور المخيف الذي اصاب علاقة اللبنانيين بدولتهم أولا، وعلاقتهم بين بعضهم والبعض الآخر ، هو أمر أحرى بالمناقشة والبحث والتحليل ، من العلاقات الجنسيه وأساليبها والفضائح المتصلة بها
. ســامـي الجواد 20/02/2012