بعيدا عن المساحات المشتركة فكريا وسياسيا بين مكونات الحكومة الميقاتية الراهنة، إلا أنها تشكل، وبعيدا عن فرص النجاح، مناسبة لإرساء الممارسة الصحيحة لعملية الحكم في لبنان، أي أن تحكم الأكثرية وتعارض الأقلية، بعيدا عن بدعة الديمقراطية التوافقية وكذبة حكومات الوفاق الوطني.

إذن، الفرصة اليوم سانحة لتأصيل مفهوم الحكم الديمقراطي في نفوس الساسة والعامة على السواء، وإسدال الستارة على التسمية المهزلة (الوزير المعارض). فالمعارضة تكون معارضة برلمانية وليس من داخل الحكومة وذلك عملا بمبدأ التضامن الحكومي من جهة، وتحصينا للحكومة في عملية الإنتاج حيث لا عرقلة من الداخل. ناهيك عن حاجة البلاد إلى عمل برلماني سليم يضبط إيقاع العمل الحكومي بكافة مرافقه عن طريق الرقابة والمحاسبة والمسائلة التي باتت المهمة الأساسية لمجلس نواب الأمة. فرقابة أي كتلة نيابية على عمل حكومة تشارك هي في عديد وزرائها ، هو كذبة عاشت عقود في أجوائنا لا سيما بعد أن تورط الإعلام في لعبة السياسة ،وصار نسخة عن مراكز القوى السلطوية والسياسية ، ففقد بالتالي دوره النقدي والتوجيهي البناء.

بعيدا عن أسس الحكم الديمقراطي التي لا شك سترسخ أو يجب أن ترسخ لتتكرس سابقة على أساسها تشكل الحكومات، تبرزعلى المحك القدرة الحكومية على الإستمرار من خلال التصدي للمشاكل البنيوية التي تعتري النظام السياسي اللبناني، فالخلل في تطبيق الدستور المسمى باتفاق الطائف و الدعوات إلى تعديله ، تضاف إليها مهمة محاربة الفساد وفتح الدفاتر القديمة من أجل تحديد المسؤوليات،بالإضافة إلى تحديث قانون الإنتخاب، كل هذه مواضيع محرمة على الحكومة الحالية لأنها تكون بمقاربة أي منها تدق مسمارا في نعش تضامنها وبالتالي في نعش الأكثرية التي أتت بها.

فهل من الممكن للحكومة أن تبادر إلى فتح ملفات الهدر والفساد لا سيما منها التي يصر العماد ميشال عون على التدقيق بها؟؟فالتركيبة الحكومية باستثناء رئيسها والحصة العونية هي استمرار لسابقاتها منذ ما بعد الطائف. وعليه فإن التوافق الذي ساد آنذاك على تقاسم البلد وناسه وخيراته يجعل العديد من مكونات الحكومة والأكثرية الحاليتين خلف قضبان العدالة وبالتالي يكون الحديث بفتح تلك الملفات ومقاربتها ضربا من ضروب الخيال ، أو يبدو كإطلاق رصاصة الرحمة على الحكومة التي تقاوم معارضة داخلية و رياح تغيير إقليمية وعواصف مالية عالمية .

في ما يتعلق باتفاق الطائف، يكفي الرئيس ميقاتي ما يتعرض له من ضغوط في شارعه المذهبي على خلفية مبدئية المحكمة و موقف حكومته منها وهل يحتمل الشارع الطرابلسي والسني عموما(مع الإعتذار على التسمية) من الرئيس ميقاتي المزيد من الوسطية إزاء أي طرح يطال الصلاحيات الدستورية المقسمة طائفيا؟؟

أما في ما يتعلق بقانون الإنتخاب فمن المستهجن أن يبادر القيمون على الحكم اليوم، بمعظمهم، إلى سن قانون إنتخابي عصري يطيح بأكثرياتهم ويفلت الشعب من قيود القطيعية المفروضة عليه.

إن الإنجاز الأبرز لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي سيكون تكريس المبدأ الديمقراطي السليم في حكم الأكثرية ومعارضة الأقلية، أما العناوين الأخرى فلن تعدو كونها برامج أو أهداف معلنة لأن الأكثرية الموجودة اليوم هي تراكم عددي فرضته الظروف وليست وليدة تفاهم قوى منسجمة ومتفاهمة في ما بينها على ماهية الإصلاح وممارسته وأدواته.

سامي الجواد

12/08/2011