هو إبن السياسة ،لأنه لا إنماء دون سياسة إنمائية، وهو اليتيم لأنه لم يجد من يتبناه ويرعاه.
يلمع شعار الإنماء موسمياَ مع كل حملة إنتخابية، لكنه لا يلبث أن يخفت بعد برود حمأة المعركة ليبقى حبراَ على ورق رغم أولوية الإنماء وضرورته في بلد أنهكته حرب أبنائه عليه كما حرب الأعداء . ولعل السبب الأول لخفوت شعار الإنماء بعد الحملات الإنتخابية هو فقدان المصداقية لدى رافعيه، يليه عدم اعتبار الإنماء من أولويات الحكومات المتعاقبة في زمن العناوين الكبيرة العابرة للحدود، دون أن نغفل عن الشبهات التي تلاحق كافة الصناديق والمؤسسات والمشاريع المتصلة بالإنماء.
لا يحتاج إلى دراسة ولا استقصاء ولا تحر كشف الأوضاع الإنمائية المتردية على امتداد مساحة الوطن وأخص منه الجنوب بسبب معاينتي للواقع عن قرب كمواطن لبناني جنوبي. يحتاج الأمر أول ما يحتاجه إلى الصدق في التصدي للمسؤلية في كافة المجالات والحقول، ثم إلى فصل الإنماء عن الغايات السياسية الفئوية وليس عن السياسة.
ولو نظرنا إلى المجالس البلدية المنتخبة، الفاعل منها والعاجز،المدعومة منها والمحرومة، نرى أن السياسة تضرب بسيف الإنماء وتغرف من نبعه. فالوجهة السياسية أو الحزبية للمجلس البلدي تحدد إمكاناته،فأما أن يكافئ وإما أن يعاقب. لكن بماذا؟؟ بمصالح العباد وبمصادر رزقهم وبالحد الأدنى من شروط الخدمة الواجب على الدولة تأديتها لهم.
إنتقلت العدوى إلى الشارع والحي والعائلة، فصار المجلس البلدي المنتخب خصما سياسيا يجب تدميره، فيمتنع الخصم المقابل حتى عن تأدية الواجبات التي يفرضها القانون ويعرقل قيام مشروع قد يفيده شخصيا، وذلك بقصد النيل من خصمه وقطع طريق النجاح عليه، ولو كان النجاح هو نجاح لبلدة بكاملها.
لقد انشغل المواطن اللبناني بعناوين تتجاوز قدرته ومعرفته بل حدود وطنه، وتأطر ضمن اصطفافات قاتلة طيفت المجتمع وألغت المدنية وشوهت مفهوم الإنتماء، الأمر الذي انعكس على اهتمام المواطن بنفسه، بعائلته،بالطريق المؤدي إلى منزله،بالوضع البيئي المتدهور، بكلفة الفاتورة الصحية وصفيحة البنزين،وقسط المدرسة والجامعة، فصار في غربة عن شؤونه وشجونه، ينتظر نشرة الاخبار بشوق إلى سماع النكايات والردود والخطابات الموتورة التي ترضي الأنى الحزبي والطائفي ، غير منتبه بأن الكهرباء في منزله هي من اشتراك يدفع مقابله فاتورة كهرباء إضافية ، وأن المياه لا تصل إليه وبأن الطريق التي تؤدي به وجاره المختلف عنه سياسيا، إلى منزلهما تؤخر سيرهما معا وتعطل سياراتهما معا وتؤذي عيناهما معا.
لقد أصبح الإنماء الملح بضرورته، رفاهية لدى الشعب الواقع تحت تأثير المخدر السياسي والمذهبي . كما أصبح لدى المسؤوول شعارا براقا مؤقتا ومن ثم عصا يؤدب بها خصومه ، والكلفة يدفعها الخصم وخصمه.
اليوم ينتظر اللبنانيون تشكيل حكومة يفترض بها أن تكون منسجمة، تدعمها أكثرية ثابتة… فمن غير الجائز والحال هكذا أن يبقى الوضع الإنمائي العام على ما هو عليه من ترد وتخلف. فلتنظر الصحافة ولتنقل صورة الطرقات في الجنوب لتجد أن الوضع لا يرقى إلى ما كان عليه قبل 1992، اللهم إلا البلدات التي تعرضت للدمار وأعيد بناؤها. فهل ينتظر الجنوبيون حربا مدمرة ليحلموا بطريق معبدة لا يدري من سيبقى ليسير فوقها؟؟؟
ســامي الجـواد