وأنا في طريق إيابي من بلدة مجدل سلم العاملية، حكمت علي الطريق عبور وادي الحجير ووادي السلوقي في وقت قارب منتصف الليل وفي طقس شتائي ماطر.

وعورة الجبال المحيطة بالطريق وكذلك الليل المدلهم ونسمات البرد القارس بالإضافة إلى خلو الطريق الضيق إلا من ذكريات مجد وانتصارات حفظ الصخر والسنديان ما نسيه الناسون منها وما تناسوه، وبقي عطر النخوة العاملية المتمازجة مع التاريخ يختلط بعطر الأرض البكر والسنديان العتيق، مشاهد جاءتني بسؤال واحد : من يحمي هذا الوادي الخالي البعيد من سموم الرياح التي قد تهب من خلف الحدود؟؟ أهو الله تعالى بعينه التي لا تنام؟؟ أم هم ملائكته المؤتمرون بأمره؟؟ لكنني استدركت وأجبت سؤالي : إن الله موجود في كل مكان وزمان،لكن الحارس الصاحي في هذا الوادي المهيب هو رجل من رجال الله، رجل من رجال المقاومة.

تخيلته ماردا في عزيمته،حاضرا في تخفيه الذي هو سر مهمته، منتصبا كجذع سنديانة جبارة. هزم بإيمانه الخوف وأخضع بصلابته البرد فاستحال دفئا وسلاما. رفيقه الظلام ونديمه السهر. يطربه الصمت وتؤنسه الوحدة حيث لا أنيس له سوى ربه ، يناجيه في سره ويدعوه ويستجير به.

مع علمي أنه يود لقائي ولا يستطيعه ,وددت لو ألقاه لأقبل جبينه و أنحني أمامه إجلالا لتضحياته ثم  ارجع لأشمخ أمام الجميع بعظيم صنيعه و أقرانه في هذا الوطن.

بعد سؤالي والجواب ,و بعد أن أخجل الحياء دمعتي فاختبأت, جعلت أقول:سامحهم الله  أولئك الذين جعلوا بيني وبين هذا المقاوم جدارا من تحزب وعصبية .سامحهم الله فقد انكروا محبتي له واستقووا به عليَ و جعلوني خصمه عندما يظهر في مكان  اخر،في النهار عندما يخلع دثار الحرب   تحت ضوء الشمس و في مرأى العيون . سامحهم الله فقد نسوا أن المقاوم عندما يترك الجبهة و الميدان ويعود إلى مجتمعه ,يرجع فردا فيه ، يعترف بأهله و جيرانه وإخوانه ويؤدي لهم حقوقهم كما يؤدون حقه له , و إن اختلفوا معه في النهار فإنهم لا شك سيعودون لتقبيل جبينه ليلا حين تلبسه القضية لبوسها المقدس.

جرحني ذلك الإحساس للحظة لكنني داويت نفسي حين تذكرت أن التزامي أكبر في نفسي  من اي ضغينة يسببها موقف جارح . لقد ورثنا المقاومة ورضعناها و تربينا عليها في بيوتنا وفي حكايات أجدادنا ثم درسناها و عشناها ،كل في أسلوبه وظروفه.

لن تتغير نظرتي لذلك البطل  الساهر على امننا بين الصخور، في الوديان و فوق الروابي, و لن نتوانى عن مواجهته إذا ما عابت نفسه نشوة النصر و نزعة الإثرة ,سنذكَره بأننا في نصره شركاء سنقول له أننا معه ماثبتت البوصلة , اما إذا مالت فلكل ما يرى وما يريد دون أن نتنكر للمقاومة.

سـا مــي الجـــواد