ليس غريبا أن ينشغل اللبنانيون عن مصالحهم واحتياجاتهم في ما يجري في سوريا من أحداث وفي انتظار الآتي. فوحدة التاريخ والجغرافيا وتقاطع المصالح السياسية يبرر هذا الإهتمام بل يفرضه أحيانا.إلا أن المستغرب هو أن يغيب عن عين الجميع، حكومة وشعبا وقوى سياسية بأن البلد من دون موازنة منذ سنوات، ومن دون حكومة منذ أشهر، ومجلس نوابه ممد له خلاف للطبيعة، ناهيك عن الشواغر في الوزارات والادارات المختلفة.  السياحة هربت و ساحت بعيدا، حتى أهل البلد لم يعودا اليه خوفا على أمنهم وسلامتهم وأرزاقهم. أن يغيب عن عين اللبنانيين كشعب، كل هذه المصائب لهي المصيبة الاكبر، أما الأدهى والأمرّ فهي أن  تكون كل تلك المصائب حاضرة في وعي وأذهان اللبنانيين ، دون أن تصدر عنهم أي ردة فعل تذكر.

إن حال الغيبوبة التي يعيشها الشعب اللبناني إزاء مصالحه وقوته اليومي وحتى إزاء كرامته تعود إلى أحد أمرين: فإما أن يكون الواقع الذي نعيش قد غلب كل تراثنا القديم وأصبح واقعا مألوفا دون أي تململ أو استنكار ونكون بالتالي قد أدمنّا على هذا الواقع ونستمتع بنشوته دون وعي، وإما أن يكون قد بلغت القوى والأحزاب السياسية من القوة مبلغا جعلها تتحكم حتى بردود الفعل وحتى  العفوية منها التي يجب أن تتحرك عند جوعنا أو عند خوفنا .

إن حالة الإنقسام السياسي الحاد وما استتبعته من انقسام مذهبي جعلت المواطن اللبناني ينأى بنفسه عن نفسه وعن كل متطلباته وأزماته الحياتية اليومية ليتقوقع في ذاته المذهبية الجديدة المشحونة بالكيد السياسي وغيره، وينشغل في مراقبة التوازنات الخارجية التي من شانها أن تحقق له – كما صور له حزبه – انتصارا على غريمه اللبناني الآخر وبالتالي فإن بقاءه مؤكد ومصالحه تصبح مضمونة. إنها حالة من غسيل الدماغ السلبي ، صادرت من المواطن اللبناني احساسه بلبنانيته ثم بفرديته المتميزة لتجعله مجرد رقم في حلبة صراع الأعداد بين أكثريات وأقليات. لقد أدى غسيل الدماغ هذا الى نشوء قومية جديدة لكل فئة من اللبنانيين هي المذهب ،على حساب القومية الأم ، وباتت المذاهب هي مقياس التوازنات وتوزيع السلطة ومكتسباتها حتى داخل مؤسسات الدولة التي اصبحت مكاتب خدمات واستقطاب لأرباب السياسة اللبنانية الحداث.

البحث في الحل وعنه هو أولى الواجبات ، وإن بقي بحثا نظريا أكاديميا تنظيريا، ولعل أول ما يستوقف الباحث في الشأن اللبناني هو العلاقة الخبيثة بين السلطة في لبنان وبين التنوع المذهبي ، بحيث تغذيه ويلغيها. والتنوع المذهبي هنا هو التنوع في الادوار والحصص لا التنوع الفكري والثقافي،التنوع الذي يرادف الانقسام ويجافي الوحدة، وعليه يصبح البحث في تعديل بل إعادة انشاء قواعد وآليات انتاج السلطة في لبنان بما يؤمن طغيان المؤسسات الجديدة على القوى المذهبية بدل الخضوع لها، هو البحث الأولى والأوجب .

ان استعادة اللبناني لذاته الوطنية أولا، ثم لذاته الفردية، مرهونة بولادة سلطة جديدة على أنقاض القديمة ومرتكزاتها المذهبية في آن. فعندما يتعرض اللبناني للظلم أو ينعم بالمكافأة من قبل دولة تحتضنه كمواطن وليس كأحد رعايا هذا المذهب أو ذاك، فإنه لا بد سيتفاعل مع مصالحه وحقوقه وواجباته من موقع المواطنة، ومع القضايا الخارجية من منظار مصالح دولته الواحدة.

إن تفتيت الكتل السياسية المتمذهبة وتلك المذهبية المتسيسة ، يجعل من الممكن قيام أكثريات وأقليات ومن ثم موالاة ومعارضة بعيدة عن الاصطفافات والتشنجات المذهبية وبالتالي فإن ولاءات جديدة سوف تنشأ وسيكون للوطن حظه الأكبر منها.

 ســامي الجــواد

12 ايلول 2013