قانون الاحزاب ثم قانون الانتخاب
من المجحف في حق الاوطان ، ولا سيما الجريح منها كلبنان، أن تسن القوانين التأسيسية فيها على أسس التوافق السياسي الحزبي الذي تتقلب متطلباته بحسب البورصة الاقليمية والدولية.
فقد يكون مصيبا، رئيس مجلس النواب نبيه بري في اصراره على ايجاد قانون انتخاب توافقي يرضي الجميع، في محاولة منه ربما لإزالة الشعور بالغبن الذي قد يسود لدى طرف ما – أي طرف – فيما لو لم يوافقه القانون الإنتخابي العتيد. لربما يحاول رئيس المجلس ايضا ان يخفف من حدة التوتر المذهبي التي قد تطيح بالعملية الانتخابية برمتها. وحتى لو افترضنا استطرادا بأنه يريد أن لا يترك له اعداء مقبلين في معركة رئاسة المجلس المرتبطة سياسيا وقانونيا بقانون الإنتخاب ، فإن ذلك كله لا يعفيه من مسؤلية البحث عن القانون الانتخابي الذي يصلح ليؤسس مرحلة جديدة من التعاطي الحزبي والسياسي في لبنان ، لما لقانون الانتخاب من تأثير في صياغة الخطاب السياسي والبرامج السياسية للأحزاب وما لهذين الامرين من دور في صون المصالح الوطنية العامة من جهة وفي إعادة اللحمة الى الكتلة المجتمعية اللبنانية الممعنة في التمزق والإفتراق من جهة أخرى.
إن التوافق المنشود على قانون الانتخاب، في أي شكل كان هذا التوافق ، لن يعدو كونه توافقا سياسيا مرحليا أفضت اليه توازنات وظروف داخلية واخرى خارجية وهو بذلك سوف يكون بلا شك معرضا للتعديل والتغيير عند أول خلل يعتري تلك التوازنات، وستبقى الأكثريات النيابية كما الاقليات وما تجسده من قوة وحركة في الواقع العملي للسلطة بكافة فروعها ، ستبقى بعيدة عن الغاية الاصيلة للعمل السياسي الديمقراطي وهي تمثيل الشعب في السلطة وفي الرقابة على السلطة وفي حماية مصالحه.
إن البحث في سن قانون انتخابي عصري يؤمن عدالة التمثيل ويكفل استعادة العيش الواحد لن يكون عمل لجنة فرعية ولا لجان مشتركة على اهمية دورهم، أنه بند أول وأصيل يجب أن يكون على طاولة الحوار الشاملة التي تتسع للجميع والتي يجب أن تعكس تنوع الصورة اللبنانية مذهبيا وحزبيا ، وبعض الأحزاب طوائف. حوار عقلاء وحكماء وفقهاء دستوريين يسعون في بحثهم السبل الآيلة الى تأسيس جديد للإجتماع اللبناني عبر قانون انتخاب تأسيسي نستطيع من خلاله أن نؤسس لثقافة جديدة في العلاقات اللبنانية البينية كما الخارجية.
قد يقول قائل بحق أنه من الأولى والأحرى تنفيذ ما تم التوافق عليه في الطائف من حيث حجم الدائرة الانتخابية والنظام النسبي وخلافه ، لكن التوازنات الحزبية والسياسية والعسكرية التي انجبت الطائف قد تغيرت وحان الآن أوان البحث بعيدا عن صوت السلاح والشعور بالغبن، بعيدا عن دول الوصاية المختلفة.
إن ما هو حريُ بالبحث الفوري ، قبل قانون الإنتخاب وشكله وقبل كل التفاصيل، هو قانون الاحزاب المهترئ الهرم ، تلك الاحزاب التي من المفترض ان تكون اشرعة الخلاص التي توصل الى بر الامان قبل البرلمان، بينما هي إما ادوات لمشاريع خارجية وإما متاريس لطوائف ومذاهب، ناهيك عن كونها مناطق نفوذ خارجة عن الدولة في علاقاتها مع الناس في الداخل والخارج، في تمويلها ومصاريفها، في سلاحها وعتادها.
بالعودة الى دور رئيس المجلس ودوره وهواجسه، فإن اجتياز المرحلة بسلام- على صعوبتها- لن يكون أهم وأحرى من استقبال مرحلة جديدة يتحمل القيمون على السلطة راهناً مسؤولية التأسيس لها ، ومجلس النواب هو السلطة الام في هذا المجال.
ســـامي الجــواد