الثورة…  في سوريا ام عليها

مما لا شك فيه ، وجود أسباب مشروعة وظروف موضوعية كامنة في الحياة الإجتماعية والسياسية السورية، تبرر قيام حراك شعبي ، ثوري كان أم إصلاحي. إلا أن تسارع حركة الأحداث وتصاعد وتيرتها في بلد النظام الصارم، بالإضافة إلى المواقف الدولية والإقليمية المواكبة يوميا ما يحدث في سوريا، كلها عومل تؤكد الشكك بأن ما يجري في سوريا اليوم هو ثورتان الأولى فيها والأخرى عليها.

فمن غير المنطقي ان يستمر أي حاكم في السلطة، مهما بلغت درجة نبوغه او نجاحه أو حتى التفاف الشعب من حوله، لفترة اربعة عقود كما هو الحال في سوريا. إذ من غير الجائز في سوريا، الدولة الأعرق في المنطقة والأكثر نفوذا، لا سيما خلال فترة حكم حزب البعث ، أن تختصر القيادة السياسية في فئة أو عائلة أو حزب أو طائفة. فالامبراطوريّات اخذه في التهاوي,والاسوار بين الدول تلاشت,و ضيَق التطور التكنولوجي المساحة الزمنية و المكانية و حتى الفكرية بين الدول والامم والمجتمعات,حتى الاتحاد السوفياتي على عظمة تاريخه وانجازاته لم يستطع الاستمرار في معاكسة سير الزمن ,ان من حيث الانفتاح الاقتصادي,او من حيث اتساع دائرة الحرية الفردية التي كانت مندمجة في النظام الاشتراكي انذاك الى حد الذوبان,مما عطل من قدرتها على الانتاج والابداع.
كما انه من غير المنصف من زاوية أخرى ،ان نتجاهل  فترة الحرب العربية الاسرائيلية التي خاضتها سوريا بشكل مباشر عبر جيوشها وفضائها وأرضها، أم بشكل غير مباشر عبر الجبهة اللبنانية وتلك الفلسطينية والأخيرة العراقية. لقد قللت مستلزمات الصراع الخارجي من فرص الإصلاح الداخلي إلى حد وصل الشك فيه إلى القول بأن للنظام مصلحة بإبقاء الصراع مفتوحا من أجل التذرع به في صد أي حراك داخلي من أجل الحرية والديمقراطية أو سواها من طرق المشاركة السياسية.

ولعل العامل المذهبي هو المستجد الأبرزالذي وضع النظام في خانة المدافع عن نفسه ضمن منظومة تحالفات إقليمية ساعدت في ترسيخ النظام نفسه وفي تأمين استمراريته على الصعيد الداخلي كما على صعيد النفوذ والدور الإقليميين، كالحلف السوري الإيراني وترجمته اللبنانية  والعراقية يقابله الحلف الخليجي المصري .

قد يجد الباحث مبررات عديدة للقبضة الحديدية التي يحكم بها النظام سيطرته على مفاصل القوة داخل سوريا , و قد تكون هذة المبررات مقنعة و موضوعية , و لكنها لا تنفي ضرورة العمل بالتوازي و التزامن على زيادة منعة الجبهة السورية الداخلية بازالة فتيل الانقسام و نزع حجج المطالبين بالمشاركة و هم محقون بمطالبهم.

اذن المطالبة الشعبية السورية بالمشاركة و الاصلاح مطالب محقة و موضوعية بشهادة الرئيس الاسد الذي اعترف بوجود الفساد و وعد بجملة اصلاحات لا ندري مدى قدرته على تنفيذها بمعزل عن النوايا.

في المقلب الاخر لا يخلو يوم في فلسطين من مجزرة يرتكبها الاحتلال الاسرائيليو لا نرى ذلك الاهتمام الدولي و لا حتى  العربي .كما حل باليمن و لا ننسى السودان و ذهاب نصفه الى اسرائيل لم يأبه المجتمع الدولي و لا العربي و لا الاسلامي بما يجري في البحرين ,  ترك العالم كل همومه الاقتصادية و المالية و السياسية و انكبّ على متابعة الوضع السوري . كيف لا و سوريا هي بوابة الشرق سوريا الدولة و الموقع و الدور بغض النظر عن النظام , و عليه فقد استغل اصحاب المصالح عدوى ما يسمى بالربيع العربي للانتفاضة على سورياو نقض كل التفاهمات التي منح المجتمع الدولي بموجبها كل ما تملكه سوريا من نفوذ في المنطقة.

و المتابعة الدقيقة للمسؤلين الدوليين  و لاسيما الغربيين منهم توحي بأن هؤلاء المسؤلين ليس لديهم ما يشغلهم سوى سوريا و مطالب شعبها و مشاكل نظامها.

ان تداخل المصالح و تقاطعها مع مصالح الشعوب الثائرة في وجه انظمتها ما شأنه أن يفسد تلك المصالح بحرف مسارها الى الزاوية التي تريدها قوى النفوذ من وراء تبنيها لقضايا الشعوب.

 في المحصلة , ثمة ما يدعوللخطر في المنطقة , سوريا الدور و البوابة هي المطلوب السيطرة عليها ,و سوريا النظام والفساد و الديكتاتورية هي ما يحاول الشعب السوري اصلاحه , فبين النية الصالحة للاصلاح و التغيير و بين الهجمة الدولية المستعرة على سوريا سباق حاسم و معركة مفصل لا نرى مفاعيلها تقف عند الحدود السورية و لا عند مطالب السورين .