قانون الإثراء غير المشروع…. إسم على مسمى

 

        ليست بعيدة عن الذاكرة , تلك السالفة التي حصلت مع المهندس غابريال المر في انتخابات المتن الفرعية العام    2002 حين أبطل المجلس الدستوري نيابة المر بسبب عدم تصريحه عن امواله في المهلة المحددة لذلك قانونا”. هذه السالفة الحدث أظهرت بوضوح كيف يكون القانون سيفا” مسلطا” على الرقاب في يد المتسلطين حينا , وحصانة مطلقة لمصالحهم حينا” آخر .

   

     قصدت البدء بقضية المهندس المر ليس للدفاع عن موقفه المحق ولا للحديث عن مظلوميته وقد التقيته مرات قليلة وتعرفت إلى بعض مزاياه , إنما للوصول إلى حقيقة أن الغاية التي من أجلها يوضع القانون هي أهم من القانون نفسه  , وهي التي تحدد المسار الذي يمكن أن يسلكه أي قانون , لاسيما حين يتصل بمصالح اهل السياسة والحكم . وعليه, فإن عصيان القانون يصبح واجبا” عندما ينحرف عن الهدف الذي من أجله  وضع .

       فعند تأخر النائب المنتخب أو غيره ممن يلزمهم القانون , بالتصريح عن أموالهم لدى المجلس الدستوري  يعتبر ذلك سببا” كافيا” لإبطال نيابة هذا الشخص . في الوقت عينه قد يصرح نائب آخر عن ثروة طائلة مجهولة المصدر ومخفية المبرر , ويودع تصريحه لدى المجلس الدستوري الذي لا يملك الحق بالإطلاع عليه , فينجو بنيابته لمجرد أنه قد صرح , وبغض النظر عن محتوى  هذا التصريح .

      إذن , التصريح يودع لدى المجلس الدستوري دون أن يطلع عليه أحد ما لم يكن هناك ادعاء في يوم من الأيام , هذا إذا كان هناك إلى ذلك الإدعاء من سبيل . وهنا نقول انه إذا كان أهل السياسة من حقوقيين وغيرهم يريدون من هذا القانون الحد من الإثراء غير المشروع وأسبابه من فساد واختلاس واستغلال للنفوذ والسلطة , وجب عليهم أن يعدلوا هذا القانون بحيث يتيح للمجلس الدستوري الإطلاع على مضمون كل تصريح يودع لديه , ومن ثم التحقق من مشروعية هذه الثروة , كبر حجمها أم صغر. وعلى أساس نتائج هذا التحقق تقبل النيابة أو تبطل وتحال القضية إلى القضاء المختص .   

 فهل من الجائز أن يقبل التصريح دون التأكد من صحة محتواه؟؟وماذا لو جاء أحد المبتدئين في السياسة وادعى في تصريحه أنه يملك الملايين وأنه من أصحاب الثروات ليبرر سلفا” ما سيدخل ذمته من عمولات و أرباح وخلاف ذلك .

          إن الإطّلاع على هذا التصريح والتحقيق من مشروعية الثروات يجب أن يكون من صلاحية المجلس الدستوري لأن ذلك يساعد هذا المجلس كهيئة قضائية عليا مستقلة في التحقق من مدى أحقية هذا المسؤول في منصبه ومن أهليته الأخلاقية لهذا المنصب .

          أما الأدهى والأمر فهي تلك العقبات والمطبات وحتى التهديدات التي تسبق اي خطوة للإقتراب من هذه الشخصية أو تلك وسؤالها عبر القانون : من أين لك هذا ؟؟؟ !!! الأمر الذي يشكّل كما أسلفنا حصانة مطلقة للمسؤولين من أية مساءلة ممكنة , فهناك التأمين المالي الباهظ الذي يجب أن يسبق أي إدّعاء فبل التعرض لمقدسات الساسة والزعماء .

          وهنا يطيب لي أن استشهد بعبارة يرددها دائماً الرئيس كامل الأسعد مفادها بأنه إذا كان المتهم في نظر القانون بريئاً حتى تثبت إدانته فهو مدان حتى تثبت براءته إذا كان من  أصحاب القرار أو النفوذ أو في موقع المسؤولية .

          خلاصة القول : إن قانون الإثراء غير المشروع المطبق حالياً في لبنان هو اسم على مسمى فهو يقونن الإثراء غير المشروع ويوفر الحصانة لأثريائه بشكل يتعارض تماماً بل يتناقض مع الغاية في وضعه وهي محاربة الإثراء غير الشروع .

                                                        سـامي الـجـواد

                                 عضو اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الإشتراكي          

                                                               23/11/2008