من غير المقبول وغير المستغرب في آن، أن ينحصر الخلاف الأكثري حول تشكيل الحكومة في ظاهره على عدد الوزراء وتوزيعهم السياسي وتوزيع الحقائب الوزارية، دون الإعلان عن البرنامج الذي يريده كل طرف من وراء مطالبه.

قلنا من غير المقبول ،لأن حصر الحديث والتفاوض في هذه الوزارة أو تلك، أو في عدد الوزراء وأسمائهم، يمثل ابتعادا عن الأسس السياسية الواجب اتباعها في تشكيل أية حكومة . فإذا كان الدستور اللبناني قاصرا في رسم الأطر القانونية التي ترعى عملية التشكيل(وهو كذلك)، فإن بديهيات المسؤولية السياسية والتعاطي المسؤول يفرض على أصحاب العلاقة،أهل الحكم،بحث الأهداف والبرامج المتصلة بمطالب كل طرف، وليس الحصة والنوع والمكسب السياسي.

أما ما هو غير مستغرب ،فهو استغراق الطبقة السياسية بضفتيها في الغوص بحثا عن المكاسب والمصالح التي يريد كل طرف من ورائها تعزيز وضعه السياسي الخاص به وحماية مكتسباته، وفي أضعف الإيمان الحد من مكتسبات الطرف الآخر.

فلو اخذنا مسألة وزارة الداخلية كمثل ،نرى أنه كان حريا بالطرف المطالبة بانتزاع الوزارة أو الآخر المتمسك بها، أن يعلن عن البرنامج السياسي أو الإداري الذي يبتغيه من الوزارة إياها، وأن يفاوض على أساس هذا البرنامج. فأما أن يحصل على الوزارة،وإما أن يلزم الطرف الآخر بالبرنامج إياه،وذلك بغض النظر عن هوية الوزير ولونه السياسي أو المذهبي.

الأمر نفسه ينطبق على بقية الوزارات. لكنها المصالح،المصالح الضيقة والآنية. فمراعاة المصالح ليست عيبا فيما لو كانت واسعة المردود على المستوى الوطني العام، أو إذا كانت غير مرتبطة بأشخاص محدودي العمر والبقاء.المصلحة الضيقة مقياسها الكسب ،بينما قد تقتضي المصلحة العامة قبول التضحية بالمكسب الشخصي أو الفئوي.

المعزوفة الأكثر وقاحة”” وإيلاما في آن، هو تحديد نوع الوزارة موضوع التفاوض، فمنها السيادي ومنها الخدمي. الوقاحة هنا في إعلان الإصرار على وزارة معينة بغية الإستفادة منها ماليا وسياسيا وانتخابيا.إنه استغلال المواقع الرسمية العامة من أجل الكسب، الأمر الذي تمنعه القوانين ويحظره المنطق وتعيبه الأعراف، وهو في آن يشكل مخالفة لأبسط قواعد العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.أما المؤلم في هذا ،فهو اعتياد المسؤولين على أن لا يستتروا عند ممارسة المعاصي.والسبب في ذلك يعودأولا لفساد مؤوسسات الرقابة أو تبعيتها، وثانيا لعدم وجود شعب حي واع يحاسب ويسأل عن عن كل موقف و مفصل ومحطة وشعار. ففي الوقت الذي يخضع فيه رئيس الوزراء الإيطالي للمحاكمة في فضيحة علاقة جنسية مع فتاة قاصر، تغتصب في لبنان وفي كل يوم حقوق وإرادات وحريات شعب باكمله بينما قادته ينتشون  في تحقيق المكاسب والثروات في وطن الدين والعجز .

 للأسف فإن اهل السلطة والنفوذ في لبنان قد جعلوا من اللبنانيين شعبا قاصر،لا يقوى حتى على المطالبة بحقوقه أو حتى على التعبير عن امتعاضه وتذمره كي لا نقول اعتراضه أو ثورته.

بالعودة غلى الحديث عن البرامج والخطط وليس الشخاص، نؤكد إلى افتقار الساحة اللبنانية إلى ساسة قادة،ليس على مستوى الامر والنهي، بل على مستوى منهجية التفكير والعمل السياسيين ،حيث يكون تحديد الهدف شأن الحكماء، الزاهدين في الحكم ومكتسباته، وليس إلى ساسة مكر وخداع وثأر وتجارة يعلمون أكثر ما يعلمون من أين تؤكل الكتف.

سامي الجواد

12/04/2011