ميتة الفقير وويكيليكس الغني

“والغني هنا هو القوي المنيع من كل حساب وسؤال “.

صادقة في معظمها تلك الأمثال الشعبية , ولعل المثل الذي حرّفنا كلامه الأصلي ( موتة الفقير وفضيحة الغني لا يعلم بها أحد ) هو من أصدق تلك الأمثال  .

فعندما يكون صاحب الفضيحة المدوّية، في مركز القوة السياسية والمالية ،وبالتالي القوة الشعبية ,أو في موقع الحليف والصديق ، أو في الحالتين معاَ، فإن إفتضاح صفقة وقعها ،أو موقف صدر عنه، لا يعدو كونه هفوة أو كبوة تمر دون ضجيج .

في بلدنا يوقع وزير مسؤول، ترخيصاَ لمؤسسة منتشرة الفروع وذائعة الصيت والخبر،وعندما يفتضح السر وتفوح روائح المستحضرات المتعددة الألوان والدواعي، يتقبل الرأي العام تبريرات الوزير المعني بقبول حسن ، ويقتنع الجميع بأن تلك الروائح هي روائح الشاي السيلاني الممتاز , الذي تصل كلفة دعايته الإعلامية إلى ملايين الدولارات .

غريب هذا الأمر، ومؤلم في آن، فالظلم في السوية عدل في الرعية . وهنا أعود بالذاكرة لما حصل مع النائب السابق يحي شمص حين رفعت الحصانة عنه وتمت محاكمته في أسرع محاكمة في االتاريخ اللبناني المعاصر . محاكمة من ؟؟؟؟ محاكمة نائب يمثّل الأمة جمعاء !!!! لماذا ؟؟لأن ورقته ضعفت ثم سقطت.  إنه حكم القوي على الضعيف . وعلى وعلى قدر أهل العزم تأتي الفضائح .

مرت فضيحة الشاي السيلاني الممتاز التي يعادل ثمن الجرعة منه، ثمن ” أثاث” منزل بكامله , مرت دون غبار أو ضجيج . لقد فقد الشعب زمام المبادرة بل لربما زمام الإحساس , حتى الإحساس بالظلم صار يلزمه أمر أو طلب أو تكليف أو إيحاء . لقد فقد الشعب إحساسه بنفسه ، ولم تسلم من ذلك معظم الصحافة.

جاءت أخبار ويكيليكس لتدفع إلى السطح ما  تضمره النفوس , لكل حقه في الموقف والتحليل والتعبير وليس من الضروري أن يتطابق الجميع في آرائهم , العكس هو الصحيح، فالإختلاف ضروري ، لكن المخيف والخطير أن يمارس الساسة، المؤتمنون على مصالح الناس، أبشع أساليب النفاق فيقولون ما لا يفعلون أو يسرون للمحقق الدولي عكس ما يعلنونه للجمهور المتلقي بامتياز .

عندما يتماهى الآخر علناً مع أهداف خارجية نعتبره خائناً، وهو خائن بحق. ونغض الطرف عندما يكون التماهي من داخل صفوفنا ونعتبره بطولة، لكن بغير حق.

لن أوجّه كلامي إلى المسؤول أو القائد ، بل للمواطن المنقاد المتخلي عن مسؤوليته: لا تجعل لنظرك هوية، ولا لعقلك طائفة، ولا لأنفك مذهب، فإذا ما رأت عيناك خطراً ،أو وعى عقلك مصيبة، أو شم أنفك رائحة فساد، فلا تتردد في الإنصات إلى ضميرك فقط ، الضمير الذي هو وجود الله فيك , ولا تسكت عن الحق فتكون شيطاناً اخرس .

أما إلى المسؤول فأقول له: يحق لنا كلبنانيين أن ندعي على كل من تواطئ على أهلنا الجنوبيين في عدوان تموز ونحاكمه، وذلك من وجهة نظر مبدئية وبغض النظر عن قوة الإثبات القانوني التي تملكها الوثائق الفاضحة للمستور.كما أنه لنا الحق بالتوازي والتزامن أن ندعي على كل من كشفته وسائل الإعلام المختلفة وتقارير ديوان المحاسبة وغيرها من الوثائق والمستندات التي تدين المختلسين والعابثين بالمال العام، لكني ما ألبث أن أتذكر كتاب “الأيادي السود” للنائب السابق نجاح واكيم الذي فضح من فضح من مسؤولين ورؤساء ووزراء دون أن يدخل السجن أحد منهم ، فيما لو ثبتت إدانتهم ،ولا النائب واكيم نفسه إذا ما ثبت افتراءه عليهم .

ســامـي الجــواد

26/03/2011