والطفلة هنا هي القضية. أما الآباء فهم جميع من يحمل هم القضية،أو يدعي حملها، صادقا كان أم منافقا، طموحا أم وصوليا، مستقلا أم تابعا، أنانيا أم مضح مؤثر.

تزدحم العناوين وتتواتر الأخبار ولا يخلو يوم من قضية تستحق عناء النضال والمتابعة. وفي آن، تختلف النظرة إلى تلك القضية باختلاف الناظر وزاوية النظر، كما باختلاف مصالح الناظرين إلى القضية عينها. وهذا ما هو طبيعي   ، فالإختلاف ملازم لطبائع البشر ومآل مصالحهم، وهو سر تميزهم وتمايزهم ومحور التنتازع نحو الأفضل. إلا أن هذا الإختلاف بما هو عامل فرقة، يجب أن لا يشكل كما هو الحال راهنا، مجالا للتخلي عن المشتركات الجزيلة الوجود بين المختلفين، في معرض تصديهم لقضايا يومهم التي صارت بمعظمها مصيرية.

العائلية حاجز،الأيديولوجيا عقبة، والتاريخ وجهات نظر مباعدة، ومكامن الثأر المتأتي عن دم سفك أو كرامة، كلها عناصر تفرق الجبهة التي يجب أن تكون واحدة,  لتجعلها جبهات متفرقة لا يمكنها تعديل الموازين ولا حتى التأثير بها كأضعف الإيمان.

هذا هو حالنا، نحن المهتمين بالقضية، ولكل يوم قضية مستجدة. يكاد يعلن الإفلاس المالي بعدما أعلن الحاكمون بنا إفلاسهم أخلاقيا، فلا ضمان ولا أمان ولا صحة ولا بيئة ولا حسن جوار، الفساد مستشر والجوع لم يعد على الأبواب، البطالة مستفحلة والسفارات تضيق بطلاب الهجرة، كل هذا، ونحن، المهتمون بالقضية، بقضيتنا ، متفرقون لغايات ومآرب وتعدد مشارب، وحسابات ضيقة ضيق أفقنا المحدود.

اجتمع أهل الحكم على باطلهم رغم تناقضهم، ورغم جبال الكره الرابضة بينهم ، إجتمعوا لأن مصلحتهم في الإجتماع ونتفرق مع أن الإجتماع شرط بقائنا وبقاء هذا البلد. ونحن، المهتمون بالقضية ، نلتقي على صفحات افتراضية لأنها تحافظ لكل منا على فرديته، ونتفرق على أرض الواقع مشايخ ومناضلين وبكوات وملحدين وماركسيين ومتدينين وعلمانيين ومدنيين، متناسيين جمعا وفردا بأن الجلاد يقف إلى جهة، وكل تنوعنا يجتمع بالمقابل تحت سوطه.

خلاصة المقال، هل من إطار يجمع تلك الفسيفساء المتمايزة دون أن يلغي خصوصيات كل مكون منها وبالتالي عصبيته؟ هل من العيب التقاء التجديدي بالتقليدي والملحد بالمتدين واليساري باليميني لمواجهة جلادهم وسارقهم وقاتل طموحاتهم؟ هل لدى أحد فكرة عن إطار يجمع لا يثير حساسية أحد؟ تجمع متضررين ربما أو تكتل متحمسين، خيار وسط يتيح لهذا التشتت أن يجتمع  في كنفه؟ سؤال تطرحه الضرورة، ضرورة الحاجة والخوف والطموح والقلق والحماس والاندفاع والهمة، ضرورة التحصن ضد الذوبان والتلاشي سواء بالتقوقع أو بالالتحاق بركب الأقوياء.