الحكومة لمن يملك الأكثرية
لا شيء إسمه أمر واقع في عرف تشكيل الحكومات. ديمقراطيا،من يفرض الأمر الواقع هو من يملك أكثرية نيابية تخوله الحصول على التكليف ثم نيل الثقة. فكلمة أمر واقع ،تطلق راهنا على المستجد الذي لا يرضي طرفا ما، دون أن يكون لهذا الطرف، القدرة على تغييره أو تعديله بالحد الأدنى. وإذا كان هذا المسمى للأمر الواقع ،هو ما يخشى أو يحذر البعض من اعتماده في تشكيل الحكومة، فهو إذن الخير الذي لا بد منه، وهو القاعدة الأولى للديمقراطية التي تقوم على تداول السلطة وليس على تقاسمها . لقد كانت تجربة الحكومة الميقاتية المستقيلة راهنا فرصة ذهبية حقيقية لترسيخ فكرة حكم الأكثرية ومعارضة الأقلية وبالتالي التأسيس لفكرة المحاسبة وإعادة الدور الى مجلس النواب المراقب بعد تراجع دوره في التشريع لصالح الحكومة .لكن فريق الحكومة الآنفة الذكر لم يكن فريقا سياسيا واحدا ولا موحدا، بل كان مجموعة متضررين وطامحين فضحت تجربتهم ضعف حس القيادة الوطنية لدى معظمهم. وللإنصاف لا بد من القول أن المعارضة المتمثلة بقوى 14 آذار لم ترتق في تعاطيعها إلى مصاف المعارضات البناءة التي تقوم اعوجاج الحكومة وتراقب سلوكها ، فكان الكيد السياسي طاغيا على مجمل تفاصيل الحراك السياسي، و كان التعطيل سيد الموقف . وإذا كان غياب التعددية في الكتل النيابية وانحصار التنافس بين كتلتين كبيرتين تحكمهما أقلية مرجحة، هو أهم أسباب عدم وجود فريق متجانس في الرؤى والسلوك والأهداف، فإن ذلك لا يبرر إشتراط الإجماع لقيام أي حكومة .
إن تأليف الحكومة في لبنان مناط دستوريا بكل من رئيس الجمهورية والشخص المكلف تشكيل حكومة. هذا من الناحية الإجرائية البحتة، أما من الناحية السياسية وهي التي تتصل بتأمين الثقة النيابية للحكومة ،فالأمر يتوسع ليشمل الأطراف التي تتوافق على رؤية معينة وتتبنى برنامجا معينا لتحقيق ما تراه . وعندما تتمكن مجموعة ما- أية مجموعة- من التفاهم على برنامج واضح للحكم، بما يكفل مصلحة الدولة والشعب وبما لا يتناقض مع أسس قيام الإجتماع السياسي اللبناني ،الذي لا بد وأن يكون محل إجماع، وعندما تكفل هذه المجموعة الإستحصال على ثقة مجلس النواب، فإن لهذه المجموعة الحق بتأليف حكومة تمثل الأكثرية في الحكم، وتعمل لصالح الجميع . إن وجود أقلية معارضة خارج الحكم هو الضمانة الأساسية لعدم الإستئثار بعيدا عن بدعة الشراكة الوطنية التي لا تؤدي إلا إلى الشلل بسبب الإختلاف المستمر بين أطرافها على تقاسم جبنة النفوذ والمصالح . أما التذرع بالميثاقية فهو إدانة للميثاقيين الذين لا يرضون بإقصائهم، ويمعنون في نفس الوقت في إقصاء الآخرين في طوائفهم بحجة عرجاء وهي تمثيلهم النيابي المتأتي من قانون أعرج هم أمه وأبوه منذ 1992 . هذا ولا بد من التاكيد أن البدائل موجودة في كل الطوائف.
إن إلغاء المعارضة تحت أي ذريعة ، سيؤدي حكما إلى إلغاء الحكم نفسه، وتحويل الحكومة بالتالي الى مجلس عشائر . وعليه فإن البحث في تقسيم الوزراء في الحكومة سواء على أساس 9 9 6 أو 8 8 8 أو غيرها من الصيغ ، هو بحث في غير محله. على رئيس الجمهورية والشخص (وليس الرئيس) المكلف أن يعلنا أو على الأقل أن يبلغا بقية الأطراف عن مشروع بيان وزاري ، والعمل من ثم على تأليف حكومة ممن يؤمنون بهذا البيان. عندها يكون النقاش و الحوار حول البيان ومندرجاته ويصبح المتوافقون على هذا البيان هم مكونات الحكومة، إذا استطاعوا كشرط أساسي أن يؤمنوا الأكثرية لإعطائها الثقة . إن الإتفاق على بيان الحكومة وبرنامجها يجعل الحديث عن الأرقام والأعداد تفصيلا حسابيا .
أما في ما يتعلق بالهواجس الموجودة عند هذا الطرف أو ذاك، فهي المادة الحوارية الطبيعية التي يجب أن يحملها أصحاب تلك الهواجس إلى شركائهم والعكس صحيح، فإما أن يستطيعوا الإنضمام الى الحكم عبر التوافق على الهواجس وإما أن يتصدوا للمعارضة البناءة بكل أشكالها ،بدءا من العمل البرلماني مرورا بالإعلام وصولا الى التحرك الشعبي السلمي .
سامي الجواد
31/12/2013