لا يكاد يخلو شارع في بيروت والمناطق من معلم يخلد ذكرى رجال كان لبعضهم دورا في صناعة تاريخ هذا الوطن ولبعضهم الآخر دورا في تلطيخه بالدم والفساد وسوء السيرة، من كل الطوائف والمذاهب ، باستثناء الطائفة الشيعية التي يحاول البعض الإيحاء بأن تاريخها قد بدأ منذ عقدين من الزمن.
بالأمس أزيح الستار عن تمثال للرئيس صائب سلام، رجل الإستقلال والإعتدال، في موقع لا يبعد عن جادة صائب سلام وتمثال حبيب أبي شهلا وجادة عبدالله اليافي وساحة رياض الصلح وشارع رشيد كرامي وشارع بشارة الخوري وشارع إميل إدة، وربما يبعد قليلا عن شارع وتمثال بيار الجميل والرئيس فؤاد شهاب وغيرهم من رموز البلد وعظمائه.
لقد نجا الرئيس عادل عسيران بشارع بإسمه في مدينة صيدا، كما فرض توقيع الرئيس صبري حمادة على العلم اللبناني أن يقرأ إسمه عليه. في البقاع والجنوب وبعض الأماكن في بيروت تكاد لا تخلو منطقة من شارع بإسم الرئيس نبيه بري، منها ما هو رسمي ومنها ما هو مفروض .
لقد حضرت الدولة كلها في حفل إزاحة الستار عن تمثال صائب بك، وهذا أقل ما يستحقه الرجال أمثاله، لم يستفز ذلك زعامة الرئيس الحريري ولا أخلاقية الرئيس الحص ولا حكومة الرئيس ميقاتي العتيدة وكذلك لم يزعج خاطر الرئيس عمر كرامي. الأمر مختلف لدى طائفتنا، ولو رجعنا إلى التارخ القريب لعلمنا أن تمثيل الشيعة والدفاع عن وجودهم كشيعة ولبنانيين، عن علمائهم وأدبائهم الأعلام كان من أبرز أدوار الدوحة الأسعدية بدءا من الشهيد ناصيف النصار مرورا بعلي بك الأسعد وشبيب باشا الأسعد ووصولا إلى كامل وعبد اللطيف الأسعد ودورهما سواء في الجبهة العربية أم الداخلية ومن ثم الرئيس أحمد الأسعد الذي كان له الفضل في إدخال الطرقات والكهرباء والمياه إلى الجنوب بعد إن كان جبالا متناثرة مقطعة الأوصال ، وأخيرا إلى الرئيس كامل الأسعد الذي مارس المسؤولية زهاء نصف قرن وتركها ناصع الكف عالي الجبين عتيق الرقبة عطر الذكرى . حتى في تكريم وتشييع كامل الأسعد خشيت الدولة أن تقلق خاطر الثنائية الشيعية التي تنكرت لمواقف الرجل وإنجازاته، فهو صانع رؤساء هذا البلد وحامي دستوره ومؤسساته وحاقن دماء اللبنانيين. هذه الثنائية المستأثرة المستبدة تحاول طمس التاريخ والإستئثار حتى بتاريخ هذا البلد وبذاكرة شعبه. يتجاهل الحاضرون أن رجل الإستقلال والعروبة الرئيس رياض الصلح إنتخب نائبا على لائحة أحمد بك الأسعد ، وأن كامل الأسعد، خلافا لهم ، لمعظمهم ، دخل السياسة وهو يملك ما ورثه وترك الحياة فقيرا إلا في نفسه.
إنها نزعة الإستئثار والإلغاء… يكرم اللصوص في بلدنا والقتلة، ويمنحون الحصانة، ويطمس تاريخ الأيادي البيضاء والرؤوس الشامخة التي لم تنحن ولم ترتهن.
لقد جالس أمير المؤمنين علي (ع )الخليفة عمر بن الخطاب (رض) وصاهره ونصحه ورثاه، ونحن في تشيعنا ننتقم ونستبعد ونستأثر ونطمس الذكرى .
سامي الجواد