لعلها تفلح وإن كانت قليلة , تلك الصلاحيات المتبقية في يد رئيس الجمهورية في إجتراح حل تأسيسي لتلك العقدة المستجدة في تأليف الحكومة . فرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الآتي إلى الحكم من كنف الجيش ، المؤسسة الوحيدة محل الإجماع بين اللبنانيين ، وبعد مخاض عسير انتهى في مؤتمر الدوحة فكانت ولادة الحل بوصول الرئيس التوافقي . الغرض من هذه المقدمة هو الإشارة إلى خصوصية الظروف التي أوصلت العماد سليمان إلى سدة الرئاسة والتي تمنحه امتيازأً في طرح الحلول حتى لا نقول فرضها . فهو الرئيس التوافقي الواقف على مسافة واحدة من الجميع , فالوفاق والحياد يجب أن يكونا مصدري قوة لا ضعف للرئيس ، ذلك بالإضافة إلى التأييد الشعبي الذي يحظى به فخامته لدى مختلف الطوائف والقوى السياسية على امتداد الوطن . واستطراداً كلياً ولو افترضنا جدلا أن التوافق حول الرئيس من شأنه أن يقيده إزاء بعض المواقف الحاسمة ، فإن هذا التوافق نفسه يجب أن يحرر رئيس البلاد ويمنحه زخماً إضافياً في حسم بعض الأزمات من جهة ، كما يجب أن ينعكس إحراجاً للجهة التي تعارض التوجه الرئاسي وهي تعلن تأييده و ثقتها به في الوقت نفسه . إن البذرة الأساس لأزمة التشكيل تكمن في انعدام الثقة بين الأطراف المتفاوضين أو الشركاء المفترضين في تشكيل الحكومة ، دون أن يلغي ذلك الحسابات الفئوية و المصالح السياسية والإنعكاسات الإقليمية من ميزان الحل بكفتيه . فلو أخذنا بالإعتبار حالة الحذر التي يعيشها حزب الله بوصفه ممثلاً للمقاومة , من أي حكومة لا يكون له فيها تمثيل وازن وفاعل ولاسيما بعد تجربة عدوان تموز 2006 ، والموقف الحكومي الملتبس خلالها , لوجدنا أن لهذا الحذر وجه وجيه . في المقلب الآخر نعاين موقف تيار المستقبل من اي فرصة قد تعطى للفريق المؤيد لسوريا لتعطيل عمل الحكومة عبر الإستقالة أو غيرها فيما لو طرح موضوع ما يتصل بالمحكمة الدولية ،فنجد ان تيار المستقبل في موقع محق سياسيا , فبنظرهم سوريا في موقع الشبهة . كذلك لو عدنا إلى ما حدث في 5 ايار من العام الفائت عندما اتخذت الحكومة قراراتها المرتجلة وغير المسؤولة والمدانة طبعاً ، وأدت إلى ردات الفعل المدانة أيضاً في السابع من الشهر نفسه ، لوجدنا أن المشكلة الأساس هي انعدام الثقة بين الطرفين بل ربما بين أطراف عدة . وإذا راجعنا مختلف النظم الدستورية المعمول بها في العالم لوجدنا أن حق الحكم يعود للكتل النيابية التي يشكل ائتلافها أكثرية برلمانية ، على أن تأتلف الأقليات في جبهة أو جبهات معارضة ، ولما كان نظام الإنتخابات الأكثري في لبنان قد جعل الطوائف تتقمص الأحزاب والكتل النيابية . وبات من غير الممكن إيجاد بدائل داخل الطوائف فيما لو خرج أحد الأطراف من الإتلاف الحكومي ( عكس النظام النسبي الذي يؤمن التنوع ) فتكون النتيجة خروج طائفة برمتها من الحكم , الأمر الذي يؤدي إلى خلل في التمثيل الطائفي وينعكس اضطراباً سياسياً وربما أمنياً في نهاية المطاف . بالعودة إلى دور فخامة الرئيس صاحب اليد غير المطلقة في الحكم , يطرح السؤال التالي نفسه : ماذا يستطيع الرئيس أن يفعل ؟؟ إذا كان إفساح المجال للأكثرية أن تحكم وترك الأقلية تعارض أمراً من شأنه أن يسهّل تشكيل الحكومة وبالتلي تسيير شؤون الحكم والمواطنين , فإن إزالة الهواجس وخلق جو من الثقة أو الأمان كحد أدنى بين الأطراف المتضادة أمر ليس أقل أهمية . وهنا يأتي الدور الذي نأمل أن يبادر إليه فخامة الرئيس فيدعو إلى حوار بين الكتل النيابية يخلص في نتيجتة إلى ميثاق موقع من الجميع على أن يتبناه المجلس النيابي فيحوله إلى توصية ملزمة للحكومة ولو أدبياً ،أو أن تتبناه الحكـومة العتيدة فتضمنه في بيانها الوزاري ، وبهذا تكون الهواجس قد بددت ويكون الرئيس قد أسس لعملية تداول فعلي للسلطة تشكل سابقة في الحياة الدستورية والسياسية اللبنانية تعطي الأكثرية حقها في الحكم وتجعل من المعارضة ضمانة الرقابة البرلمانية الصحيحة ، ويكون الرئيس ميشال سليمان بشخصه وبموقعه هو ضمانة الإستقرار السياسي لمرحلة تأسيسية جديدة من عمر هذا الوطن . ســامي الجــواد 03.913066….07.421040 ALJAWAD.SAMI@GMAIL.COM 24/09/2009