الميثاقية للتأسيس وليس للتعطيل
نصت الفقرة ي من مقدمة الدستور بأنه لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. وكلنا يعلم بأن سبب وجود هذه المادة يعود للخلاف الدستوري حول شرعية حكومة العماد ميشال عون العسكرية عام 1989، حيث ارتكز الخلاف على مسألة خلو الحكومة من الوزراء المسلمين الذين لم يستطيعوا الاستمرار في الحكومة بفعل ضغط الشارع . إذن الميثاقية هي شرط أساسي لتأسيس أي سلطة وفي اختيار مكوناتها على أن تصبح هذه السلطة سلطة وطنية واحدة جامعة فاعلة ومتفاعلة مع المجتمع الوطني وباقي السلطات .
إن اشتراط الميثاقية في تأسيس أية سلطة، إنما كان لضمان المشاركة وعدم حصول الإستئثار، وهذا أمر منطقي في بلد كلبنان مر بأزمأت كبيرة كادت أن تودي بكيانه، وكان شعار المشاركة ورفع الغبن هو الوقود الأكثر دفعا لتلك الأزمة آنذاك. لكن ما هو غير منطقي هو بأن تبقى السلطة المؤسسة رهين تلك الميثاقية بعد تشكلها وخلال تأدية عملها وفي الإختصاص الذي أوكل إليها. فالمجلس الدستوري المؤلف عل قاعدة الميثاقية والتوازن الطائفيين مثلا ، لا يجوز أن يبقى مرتهنا لتلك الميثاقية خلال تأدية عمله كجسم واحد، كما لا يجوز أن يحدد النصاب المطلوب لجلسات هذا المجلس بشكل مطابق لقواعد وموازين تشكيله لأن ذلك من شأنه أن ينقل عدوى التوازنات والعصبيات الى مؤسسة يفترض أن تتحرك كجسم واحد وإن تعددت فيها الرؤى والنظريات والإنتماءات. ولعل ما حصل أخيرا في المجلس الدستوري يؤكد وجهة نظرنا في أن الميثاقية قد تشكل عصا في دولاب أي مؤسسة عند أي اضطراب طائفي ، الأمر الذي ينسف مبدأي النزاهة والإستقلالية في آن، كما من شأنه أن يؤدي إلى شلل في المؤسسات العامة.
في الانتقال الى مجلس النواب ، المؤسسة الأم ، فلا يجوز منطقا وعرفا أن تعلو المقاييس الميثاقية على تلك الدستورية والقانونية. فهل يجوز أن لا يستطيع مجلس نيابي تأدية وظيفته في الرقابة والتشريع رغم وجود النصاب بحجة الميثاقية؟؟ إن النائب المنتخب عندما يدخل إلى مؤسسة المجلس يصبح نائبا عن الأمة بمقتضى الدستور، وبالتالي لا قيمة دستورية لتمثيله الطائفي الذي يجب أن يراعى في تشكيل المجلس وقبل ذلك في الدائرة الإنتخابية للمرشح .
اما مجلس الوزراء فهو ليس بحال أفضل حيث من الممكن شل أي جلسة بانسحاب وزراء طائفة معينة. أما العيب الأكبر في ذلك فهو تقسيم الطوائف الى اساسية وغير أساسية، وهنا نسال: إذا كانت هناك حكومة من 15 وزيرا ،وكانت بذلك حصة الطائفة الأرمنية وزير واحد وحصة الطائفة المارونية ثلاث وزراء، فهل ممكن أن تعقد الجلسة في غياب التمثيل الأرمني في حين أنها لا تعقد في غياب التمثيل الماروني مع فارق الحجم في التمثيل؟؟؟
إن البدعة المستحدثة اليوم المسماة (الميثاقية) هي وباء تعطيلي يجب محاربته والحد من انتشاره قبل أن تصبح كافة المؤسسات اللبنانية جبهات ومتاريس ميثاقية يحكمها كيد التعطيل في حين يجب أن تلتئم وتتحرك كل مؤسسة بحسب النصاب المحدد لها وذلك بصرف النظر عن هوية الحاضرين ، فالحضور واجب والمعارضة حق وليس من المنطق أن تسود القاعدة الجديدة : إما أن نأخذ ما نريد وإما نعطل المؤسسة بالاعتكاف ونتذرع بعدم الميثاقية.
سامي الجواد
08/07/2013